الاتجار بالبشر ظاهرة عالمية اغلب ضحاياها نساء وفتيات، وهي خرق لحق الانسان في الحياة والحرية والتحرر من العبودية وتتأثر جميع البلدان بهذه الظاهرة سواء كانت بلدان المصدر او العبور او الوجهة ففي كل سنة يقع مئات الآلاف من الضحايا في ايدي المتاجرين بالبشر لأغراض الاستغلال الجنسي والعمل القسري وإزالة الأعضاء والتسول والعبودية المنزلية والزواج الاجباري والتبني غير المشروع واشكال أخرى من الاستغلال.
فحسب التقرير الأمريكي لسنة 2011 حول الظاهرة يوجد سبعة وعشرون مليون شخص في وضعية العبودية في العالم تمثل النساء والفتيات 80% من هؤلاء الضحايا، ويشكل الاستغلال الجنسي اكثر اشكال الاتجار بالبشر شيوعا اذ يبلغ 79% اما عمل السخرة فيبلغ 18% وتقدر قيمة التجارة السنوية للمتاجرين بالأشخاص 32 بليون دولار، وتتمثل الآثار الاقتصادية لهذه الظاهرة في :
ويبلغ عدد الضحايا الذين تم التعرف عليهم في جميع انحاء العالم سنة 2012 49105 بزيادة قدرها 59% عما كان عليه الحال سنة 2008 ويتجاوز عدد المجرمين الذين يديرون شبكات الاتجار في البشر المليونين ورغم ذلك فان المعلومات الإحصائية المتوافرة عن هذه “التجارة” لن تكون دقيقة باعتراف المسؤولين الامميين أنفسهم بسبب الطبيعة الخفية للجريمة ولقصور القوانين الوطنية والدولية أيضا رغم التقدم الذي جاء به البروتوكول في ما يتعلق بتعريف الجريمة ووضع آليات المعالجة الشاملة.
وبتاريخ 09/12/2002 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك البروتوكول المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار في الأشخاص وخاصة النساء والأطفال، الملحق باتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة ( اتفاقية باليرمو إيطاليا 05/11/2000 ).
وقد حدد هذا البروتوكول التعريف الدولي للاتجار في الأشخاص على انه تجنيد اشخاص او نقلهم او تنقيلهم او ايواؤهم او استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة او استعمالها، أوغير ذلك من اشكال القهر والاختطاف او الاحتيال او الخداع او استغلال السلطة او استغلال حالة استضعاف او بإعطاء او تلقي مبالغ مالية او مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال ويشمل الاستغلال كحد أدنى ، استغلال دعارة الغير أو سائر اشكال الاستغلال الجنسي، او السخرة او الخدمة قسرا، او الاسترقاق او الممارسات الشبيهة بالرق، او الاستعباد او نزع الأعضاء.
ويتطلب القانون الدولي ان ترفع الدول تقارير للأمم المتحدة ، وفقا للمعاهدات الدولية ذات الصلة ، وان تدون هذه التقارير الإجراءات المناهضة للاتجار في البشر، وتشمل هذه المعاهدات كلا من معاهدة مناهضة كافة اشكال التمييز ضد النساء CEDAW ومعاهدة حقوق الطفل وبروتوكول الأمم المتحدة لتجريم الاتجار في البشر وكبحه ومعاقبته (بروتوكول الأمم المتحدة) ومعاهدة مكافحة الجريمة المنظمة عبر الدول بالإضافة الى ما سبق عينت الأمم المتحدة مقررا خاصا لإعداد التقارير حول وضع الاتجار في البشر في مختلف انحاء العالم ، ويتمتع المقرر الخاص بالاتجار في البشر وخاصة النساء والأطفال بصلاحيات البحث في المشكلة ومراقبة اعمال الحكومات واتخاد قرارات بشأنها والبحث في الشكاوى واعداد التوصيات.
نستخلص اذن من التعريف الذي اعتمده البروتوكول لجرائم الاتجار في البشر ان الامر يقتضي وجود تشريع خاص لمواجهة هذه الجريمة يتبنى مضامين البروتوكول.
فدول امريكا الوسطى مثلا التي تعتبر مصدرا لهذه الجريمة وأيضا دول معبر لتجار البشر كالاتجار بالنساء والأطفال الى دول المقصد في دول أمريكا الجنوبية والشمالية حيث يتم استغلالهم لأغراض جنسية وللعمالة القسرية قد اعدت قوانين خاصة لمكافحة الاتجار في البشر تنص على انشاء وحدات متخصصة لمكافحة هذه الجريمة، بالتركيز على تدريب أعضاء النيابة العامة والقضاة ورجال الشرطة وضباط الحدود ومسؤولي الهجرة والتنسيق مع المنظمات المحلية والدولية والمجتمع المدني.
كما اصدرت الامارات العربية المتحدة قانونا خاصا لمقاومة الاتجار في البشر رقم 51 سنة 2006 وشكلت لمتابعة تنفيذه لجنة وطنية مكونة من ممثلي عدد من الوزارات وممثلو النيابة العامة وهيآت حقوق الانسان وحقوق المرأة.
كما أصدرت قطر القانون رقم 15 لسنة 2011 لنفس الغرض.
واقر المشرع المصري قانونا خاصا لمناهضة الاتجار في البشر منذ سنة 2010 لكن حالت الظروف التي عاشتها مصر فيما بعد من تطبيقه وفي سنة 2013 تم إقرار القانون رقم64 لنفس الأهداف ويتضمن عدة محاور، أولها التجريم والعقاب وثانيها حماية المجني عليهم وثالثا التعاون والعقاب الدولي وان له ثلاث خصائص هي الجانب العقابي والاجرائي والاجتماعي.
وهي خصائص تؤدي الى التوسع في التعريف بالمجني عليه ليتمتع بالحماية. وفي لبنان هناك مقتضيات قانونية تجرم بعض جرائم الاتجار في البشر ضمن القانون الجنائي اللبناني وهناك مطالبة بإصدار قانون خاص بهذه الجرائم.
والمغرب بحكم موقعه الجغرافي كقبلة افريقية متزايدة تحول من بلد مصدر وعبور للهجرة الى دولة استقبال وهذا أدى الى خلق وتدعيم شبكات دولية للجريمة المنظمة والاتجار في البشر.
فقد كشف تقرير الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الانسان حول الاتجار بالبشر بالمغرب وبمخيمات تندوف ان عدد شبكات الاتجار بالبشر بالمغرب والتي تمكنت مصالح الامن الوطنية من القاء القبض على أعضائها ما بين سنوات 2009 و2011 وصلت الى ما مجموعه 405 شبكة اغلبها ينشط بين الدار البيضاء والقنيطرة.
وأوضح التقرير ان الاتجار بالمغربيات واستغلالهن في الدعارة واستنادا لدراسة ميدانية نشرتها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تفيد ان 70% من المغربيات اللواتي هاجرن لبلدان عربية خليجية تم عن طريق شبكات الدعارة، وأشارت دراسة أخرى لوجود ما لا يقل عن 20 ألف مغربية يعشن أوضاع استغلال جنسي بشع في بلدان عربية، اما تقرير الخارجية المغربية فقد كشف ان العاصمة السورية وحدها بلغ بها ما يسمى ‘الفنانات المغربيات‘ 2000 مواطنة مغربية.
واستغربت الرابطة المغربية من التعامل الذي يطال هؤلاء النساء والفتيات المغربيات من قبل سلطات بلدان دول الخليج في حال رصدهن حيث يتم الزج بهن في السجن بالرغم من انهن ضحايا شبكات إجرامية تستدرج الضحايا بإعلانات وهمية عن رغبة جهات مشرقية في تشغيل مربيات او حلاقات بعقود عمل بها أجور مغرية تتراوح بين 1000 و 2000 دولار ورغم ان عددا من بلدان الخليج تتوفر على قوانين خاصة لمناهضة هذه الظاهرة.
وطالبت الرابطة اعتماد مقاربة استباقية لوقف سقوط المغربيات ضحايا شبكات الدعارة التي بدأت مؤخرا تعيد بيع ضحاياها لشبكات أخرى وذلك بالاهتمام بالجانب السوسيو/ اقتصادي.
وعن ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال، سجلت الرابطة تنامي ما يطلق عليه اسم السياحة الجنسية بالمغرب مستحضرة في هذا الصدد اقدام السلطات المغربية على محاكمة عدد من السياح الأجانب المتورطين في هذه الأفعال.
اما ظاهرة التشغيل القسري للأطفال فقد عرفت تراجعا بالقياس للسنوات الماضية فحسب احصائيات رسمية انتقل العدد من 5339 سنة 1999 الى 4739 سنة 2012 علما انه من الصعب الوصول للعدد الحقيقي، خاصة اذا علمنا ان تشغيل الفتيات الصغيرات في البيوت لا يمكن القول انه رضائي إضافة لصعوبة احصائه، وفي جميع الأحوال فهو يفوق الاعداد المشار اليها أعلاه.
تجريم هذه الظاهرة في المغرب لا زال جزئيا رغم خطورتها لذلك فالأمر يتطلب اخراج قانون خاص كالعديد من الدول التي لا تستهين بالظاهرة ،فقد صرح مبارك بودرقة عضو المجلس الوطني لحقوق الانسان خلال ندوة نظمها المجلس في اطار فعاليات الدورة الثانية للقاءات المتوسطية حول السينما وحقوق الانسان فيما يخص مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر بالمغرب ‘ ان تحجج المغرب بتوفره على قانون جنائي يتضمن مقتضيات تعاقب على الاتجار في البشر، للتملص من وضع اطار تشريعي خاص بتجريم الظاهرة تماشيا مع ما ينص عليه بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال تبرير غير معقول لان إقرار قانون خاص بمكافحة الظاهرة يتضمن آليات تختلف عما ينص عليه القانون الجنائي، اذ ان قانون مكافحة الاتجار في البشر اضاف تغييرات جوهرية على المفهوم الدولي والاصطلاح المعرفي للاتجار بالأشخاص ، كما أضاف تغييرات مخالفة للقواعد التقليدية والمتعارف عليها في آلية العقاب، حيث ان المجرم في عملية الاتجار لم يعد فردا بل جماعة إجرامية منظمة تتواجد في عدة بلدان.
كما ان القانون الجنائي يعاقب الضحية بخلاف قانون الاتجار في البشر الذي لا ينص على الضحايا، ويعتبر انه من الواجب توفير العلاج لهن وان بإمكانهن عند استنفاد مراحل التقاضي امام محاكم بلدانهن اللجوء للعدالة الدولية.
ورغم مصادقة المغرب على العديد من الاتفاقيات ذات الصلة بالموضوع وعلى البروتوكول فانه لم يستكمل باقي إجراءات المصادقة.
وقد اعتبرت دورين دكتل عن المنظمة الدولية للهجرة في نفس المناسبة ان جرائم الاتجار في البشر لا تقترف ضد الضحايا فقط بل ضد الدولة نفسها، وشددت على أهمية الانضمام الى المواثيق الدولية التي تعنى بمكافحة الظاهرة التي تعتبر معقدة ويصعب الإحاطة بها.
وإقرار قانون خاص كما ينص على ذلك بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال وشددت على أهمية تنظيم دورات تكوينية لموظفي الوزارات والمؤسسات المعنية بمكافحة الظاهرة بما فيها وزارة الداخلية والعدل وموظفو الامن والدرك وجمعيات المجتمع المدني.
واسهاما في مناهضة هذه الظاهرة والتحسيس بخطورتها وبضرورة اصدار قانون خاص يضمن الوقاية منها ويحمي ضحاياها ويضمن الزجر الملائم لمرتكبيها ويضع حدا للإفلات من العقاب ويرسى آليات لمتابعة التنفيذ.
ينظم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب يوما دراسيا في الموضوع الثلاثاء 04 فبراير 2014 ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال بمشاركة ممثلين وممثلات عن القطاعات الحكومية المعنية والسلطة القضائية والبرلمان والمجتمع المدني وذوي وذوات الاختصاص.
الموقع الرسمي لإتحاد العمل النسائي 2018. صمم من قبل STUDIO88