شكل صدور مدونة الأسرة سنة 2004 تطورا نوعيا في صيرورة تحديث ودمقرطة المجتمع المغربي، أعاد الاعتبار لكل مكونات الاسرة ولقيم المساواة والعدل.
وبمرور أربعة عشر سنة على صدور هذه المدونة بدأت الإشكالات المتعددة التي تعرقل تطبيقها الجيد تطفو على السطح كما أصبحت بعض بنودها التي عرفت تغييرات جزئية أو لم يمسها أي تغيير متناقضة مع روح وفلسفة المدونة ومع السياق العام الذي جاءت فيه، الأمر الذي يقتضي مراجعة شاملة لهذا القانون تستحضر المكتسبات التي راكمها المغرب وأهمها دستور 2011، الذي ينص على المساواة بين النساء والرجال في جميع الحقوق وعلى احداث هيئة المناصفة ومكافحة كافة اشكال التمييز لضمان تمتع النساء بهذه الحقوق. كما ينص على حظر التمييز وإلزام
السلطات العمومية بمحاربته وبملاءمة التشريعات الوطنية مع المواتيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب .
ورغم ان مدونة الاسرة جاءت بالعديد من المكتسبات الا ان أغلبها ذو طابع معنوي كالمساواة بين الزوج والزوجة في رعاية الاسرة والتنصيص على المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين وحق المرأة الراشدة في تزويج نفسها وإعطاء مركز قانوني لعقد الزواج بتخصيصه بملف يحفظ بكتابة الضبط يتضمن مجموعة من الوثائق تمكن من ربط التوثيق بنظام الحالة المدنية، واعطاء الزوجين إمكانية تحرير عقد مستقل خاص بتدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية.
كل هذه المكتسبات ذات الصبغة المعنوية لمتؤثر على مكانة النساء داخل مؤسسة الزواج، لأنهل متوضع آليات لتفعيلها إضافة الىوجود مواد أخر ىفيا لمدونة تفرغها منمضمونها فعلىسبيل المثال لا الحصر تنعدم مساواة الأم و الأب في الولاية على ابنائهما كما أن توقيع عقد تنظيم تدبير الأموال المكتسبة خلال الزواج لايقدم عليه إلا عدد قليل جدا من المقبلين على الزواج إضافةإلى أن العدول لايقومون بدورهم في التعريفب هذا العقد و اشعار الأزواج.
بإمكانية توثيقه الامر الذي يتطلب ان يصبح هذا العقد الزاميا ويتوجب لذلك تصريح المقبلين على الزواج بمداخيلهم وممتلكاتهن العائدة لهم قبل عقد الزواج ، ومراجعة المادة 49 من مدونة الاسرة من اجل تمكين طرفي العلاقة الزوجية من اخذ حقوقه عند انتهاء هذه العلاقة عوض الزامهما بإثبات مساهمتهما بوسائل الاثبات العادية وكأنهما يقومان بعمل تجاري او مدني يتم توثيقه بشكل عاد علما ان النساء انفسهن يتحرجن في المطالبة بتوثيق حصتهن مما يساهمن به في تنمية تروة الاسرة .
هذا الوضع يتطلب معالجة شاملة للمدونة في الجوانب المتعلقة بالعلاقات المالية بين الزوجين و الاسرة بصفة عامة بما في ذلك مراجعة شاملة لأحكام الكتاب السادس المتعلق بالميراث وكل ما يتعلق بمسطرة المطالبة به .
أما مجالات قصور النص فكثيرة ويمكن الإشارة لبعضها فقط فمثلا حق المحضون في السكن تقلص ليصبح مبلغا ماليا جزافيا لا يمكن حاضنته في كثير من الأحيان من كراء حتى غرفة في السطح او مع الجيران ويحكم بإفراغها من بيت الزوجية ولو كان الزوج يتوفر على سكن اخر.
اما المشكل الأكبر والذي يمثل النسبة الأعلى من دعاوى قضاء الاسرة فهو النفقة ذلك انه لم يتم ادخال أي اصلاح جوهري على مقتضياتها فرغم التنصيص على اعتماد الوضعية التي كان يعيش فيها الأبناء قبل الانفصال لتحديد النفقة فإن هذا المقتضى لا يفعل بل يحكم بمبلغ جزافي غالبا ما ينجح الملزم بالنفقة في إخفاء حقيقة دخله او التهرب من التبليغ او تعطيل التنفيذ ، الامر الذي يقتضي مراجعة نظام النفقة بمجمله سواء ما تعلق منه بطرق معرفة حقيقة دخل الملزم او تحديد مبلغ النفقة او حاجيات مستحقها وطرق تبليغ الحكم الصادر بها وتنفيذه .
أما الحضانة فهي مجال مستمر للمنازعات بعد الطلاق إذ تستعمل لابتزاز الأم قصد التنازل عن النفقة أو التنازل عن حقها في الزواج مرة ثانية حتى لا ينتزع منها أبناؤها الذين تجاوزوا السبع سنوات، كما قد تستغل من طرف الأم لمنع الاب من التواصل مع أبنائه بشكل طبيعي، والقانون وبالتبعية القضاء لا يراعي المصلحة الفضلى للأطفال والحالات الخاصة بكل طفل وظروفه العائلية لتنظيم شؤون الحضانة وزيارة الأبناء، رغم توقيع المغرب على اتفاقية حقوق الطفل بدون أي تحفظات.
اما التقييد الذي جاءت به المدونة فيما يتعلق بالتعدد وتزويج الطفلات (لأن القاصرين لا يتزوجون إلا استثناءا جدا) فقد استطاع التأويل التقليدي المحافظ لمدونة الأسرة أن يعطل المدونة في هذا الباب فبعد أن انهزم نسبيا على مستوى التشريع نقل المعركة للقضاء وربحها بشكل مباشر أو عن طريق الاحتيال على القانون باعتماد مسطرة تبوث الزوجية لتزويج الطفلات او السماح للأزواج بالتعدد بدون احترام المسطرة الخاصة به التي تفرض على الزوج التزامات اتجاه اسرته الأولى وتمنح الزوجة السابقة الحق في الاختيار.
فتزويج الطفلات يشكل مأساة لهؤلاء الصغيرات وكارثة مجتمعية ذلك ان عدد ونسبة هذه الزيجات في ارتفاع مستمر فبعد تزويج 341 18طفلة سنة 2004 وصل العدد الى 39 031 سنة 2011 وهو ما يشكل 12 % من مجموع الزيجات، والعدد في تزايد عبر السنوات هذا دون الأخذ بالاعتبار “الزواج” خارج القانون الذي يتم سلوك مسطرة تبوث الزوجية لتقنينه فيما بعد بصفة احتيالية، وعليه فان مقترح القانون الرامي الى جعل 16 سنةهيالسن
الأدنى للاستثناء لن يغير في الامر شيئا مما يتطلب الغاء المادة 20 وبالتبعية 21 من مدونة الاسرة مع وضع مقتضيات زجرية لمعاقبة الولي والزوج اللذان يخرقان القانون .
اما تعدد الزوجات فقد آن الأوان لإلغائه لان المشكل الحقيقي اليوم والذي يجب العمل على حله هو تمتيع الشابات والشبان بحقوقهم في التعليم والتكوين والشغل ليتكمنوا من تحقيق ذواتهم وذواتهن سواء في الحياة المهنية او في مؤسسة الزواج وليس بتمتيع فئة لا تتجاوز24 ,0 % بإمكانية تعديد الزوجات رغم ما يترتب عن ذلك من كوارث تصيب الاسر والمجتمع بصفة عامة.
أما المشكل الأكبر و الذي يشكل النسبة الأعلى من دعاوى قضاء الأسرة فهو النفقة ذلك انه لم يتم إدخال أي اصلاح جوهري على مقتضياتها فرغم التنصيص على اعتماد الوضعية التي كان يعيش فيها الأبناء لتحديد النفقة فان هذا المقتضى لم يفعل بل يحكم بمبلغ جزافي غالبا ما ينجح الملزم بأداء النفقة في إخفاء حقيقة دخله او التهرب من التبليغ و تعطيل التنفيذ.
حقوق الأطفال المنصوص عليها في المادة 54 من المدونة بقيت حبرا على ورق وهو نفس مآل التزام الدولة في اتخاد التدابير اللازمة لضمان هذه الحقوق، وكذا النيابة العامة في السهر على تنفيذ الأحكام المنصوص عليها في المادة المذكورة إضافة لذلك فهذه المادة لم توضح كيفية ممارسة كل هذه الأطراف لمسؤوليتها، واهم مثال للضرر الذي يلحق الأطفال نتيجة ذلك هو حرمانهم من حقهم المطلق في التعليم والامن في حالة طردهم وامهاتهم من بيت الزوجية ورفض ابائهم الترخيص بانتقالهم الى المدارس التي توجد قرب مأواهم بعد الطرد .
ويبقى أهم مكتسب ملموس للنساء والذي انعكس على مكانتهن داخل الأسرة فهو حق المرأة مثلها مثل الرجل في اللجوء الى القضاء لطلب التطليق للشقاق بدون اضطرارها لإثبات أفعال من الصعب ان لم نقل من المستحيل اثباتها، لكن ما يسمى ” الاجتهاد القضائي ” بحرمانه النساء طالبات التطليق من المتعة التي كانت تساعد المضطرات لطلب التطليق من تدبير أمورهن وأمور أبنائهن المالية في انتظار إيجاد حل لأوضاعهن بعد انهاء العلاقة الزوجية قد أفرغ هذا الحق من مضمونه.
هذه بعض القضايا التي ستكون موضوع بحث ودراسة في هذه الندوة التي سيشارك فيها مختصون ومختصات، والتي سيعلن فيها انطلاق حملة وطنية من اجل تحيين ومراجعة مدونة الاسرة
الموقع الرسمي لإتحاد العمل النسائي 2018. صمم من قبل STUDIO88