الاتجار في النساء، نخاسة العصر ،أية آليات للحماية
في عصر يراكم القوانين والاتفاقيات التي تهدف إلى حماية الإنسان وحفظ كرامته وضمان حقه في الصحة والتعليم والحرية والعيش الكريم، تطفو على السطح ظاهرة من أشد الظواهر إهدارا للكرامة الإنسانية وامتهانا للحقوق الإنسانية يساق في فيها الإنسان قسرا إلى الأسواق السرية للنخاسة، ولأن المرأة قاصرا كانت أو راشدة الحلقة الضعف في البنية المجتمعية هي الأكثر وقوعا ضحية الاتجار في البشر ، ضحية سماسرة يقتنصون ضحاياهم من بين الفئات الهشة في المجتمع، مستغلين الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية كعوامل دفع، مستعملين عقود العمل والإغراءات المادية كآليات جذب، والتي تنقلب بمجرد الوصول إلى أرض المهجرأوهاما ووعودا كاذبة، وتجد المرأة نفسها قد وقعت في مصيدة الاستغلال الجنسي والاقتصادي(العمالة السرية )عرضة للانتهاكات الجسدية والنفسية والجنسية، والحرمان من حرية التنقل،والتعذيب وسوء المعاملة، واقعات بين مطرقة تجار الجنس وسندان االخوف من الإبلاغ خشية الانتقام أو الاعتقال بتهمة البغاء، أو الدخول غير القانوني لبلاد المهجر، مما يؤدي بالبعض منهن إلى الموت او الانتحار.
إن ظاهرة الاتجار في النساء ظاهرة عابرة للحدود والقارات، وتتحكم في رواجها منظمات إجرامية عالمية، لذلك كان لابد من التنسيق بين الفاعلين الاجتماعيين والحقوقيين على المستوى الدولي للحد من الظاهرة ومعالجة تداعياتها، وتفعيل القوانيين والاتفاقيات الدولية الخاصة بمعالجة شؤون اللاجئين وحقوقهم وواجباتهم (اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين والبروتوكول التابع لها الصادر سنة 1967) ، وإصدار قانون لحماية النساء من الظاهرة لكونهن الأكثر عرضة للوقوع في براثينها.
واتحاد العمل النسائي وتطبيقا لاستراتيجيته القائمة على مناهضة العنف ضد النساء في مختلف تجلياته وضع هذه الظاهرة ضمن أولويات انشغالاته، واشتغاله وذلك من خلال المجالات التالية:
ـ خصص اتحاد العمل النسائي وبوصفه منسقا للمحكمة العربية للنساء جلسة المحكمة المنعقدة بالرباط سنة 2009، لمعالجة موضوع الاتجار في النساء ووضع آليات حمائية للحد من الظاهرة ومعالجة تداعياتها، معتمدا كمرجعيات قانونية الاتفاقيات الدولية ، المصادق عليها من طرف أغلب الدول العربية، داعيا إلى تفعيلها ، وإصدار قوانين خاصة للحد من الظاهرة، مستنيرا بتجارب منظمات المجتمع المدني في دول أوربا وأمريكا ، التي قدمت مداخلاتها أمام المحكمة، كما استمع إلى تدخلات مسؤولين حكوميين (وزارة الداخلية ـ وزارة التشغيل ـ وزارة شؤون الهجرة) الذين عرضوا إنجازت وزاراتهم في هذا المجال كما قدموا وعودا كثيرة للعمل على الحد من الظاهرة.
ـ جاءت مبادرة اتحاد العمل النسائي واتحاد المرأة الأردنية، ومركز قضايا المرأة المصرية، التي انطلقت في فاتح يناير 2011 ، لتكوين تحالف إقليمي واسع من أجل مكافحة ظاهرة الاتجار في النساء، بدءا من فضح ومحاصرة الظاهرة، ونشر الوعي لدى الأسر والنساء والفتيات بمخاطرها، فالمساهمة في وضع التدابير الضرورية التي تعمل على تجريمها والوقاية منها.
ـ بلورة مشروع قانون من قبل مختصين في الدول الثلاث، يجرم الظاهرة في دول المصدر ودول العبور ودول الاستقبال ، وقد تم اعتماد التعريف الدولي لمفهوم الاتجار بالبشر، وتم التأكيد على أن أي فعل يقع فيه استغلال من أي نوع فهو من وجهة التحالف الإقليمي اتجار، وعلى القانون أن يتصدى له .
ـ حماية النساء ضحايا الاتجار وتوفير كافة الخدمات القانونية التي تكفل لهن إعادة حقوقهن في دول المصدر والاستقبال، وعليه فقد وضعت دول التحالف الثلاثة نظاما مرجعيا يساعد الضحية في الاستفادة من برامج المؤسسات المشاركة ( مراكز الإيواء مثلا)، إلى حين إدماجها مرة اخرى كمواطنة بشكل يحفظ كرامتها.
ـ عمل التحالف الإقليمي على إعداد استراتيجية عمل ركزت في البداية على الاعتراف بالظاهرة في الوطن العربي، الذي خلقت له بعض التمثلات الثقافية طابوهات محاطة بأسوار الصمت والإنكار.
ـ توعية المواطنين والمواطنات، النساء والفتيات اللواتي ترشحهن ظروفهن الاقتصادية والاجتماعية ليصبحن ضحايا للظاهرة.
ـ موازاة مع برامج التحالف الإقليمي، وضع اتحاد العمل النسائي والتعاون السويسري برنامجا للتوعية والتحسيس خلال سنة 2011 استهدف النساء زبونات صالونات الحلاقة والتجميل في كل من مدينتي الرباط والدار البيضاء، و صاحبات هذه الصالونات والعاملات فيها . لكون هذه الفضاءات تعتبرا مرتعا خصبا لاستقطاب الضحايا.
ـ بالإضافة إلى حملات التوعية والتحسيس نظم اتحاد العمل النسائي في كل من فرعي الدار البيضاء والرباط، دورات تكوينية لفائدة المستهدفات بالبرنامج السابق لتقوية قدراتهن في المجالين القانوني والحقوقي والتواصلي، وذلك بهدف تكوين لجنة قيادة تقوم بتدبير ومتابعة إنجاز البرامج الخاصة بمحاربة ظاهرة الاتجار بالنساء ، ونشر ثقافة الوعي بالظاهرة ومخاطرها، ووسائل الحماية منها.
ـ تهييء ملصقات ومطويات ـ إعداد تقارير عن مختلف الأنشطة ـ إنتاج قرص ممغنط يتضمن ما تراكم خلال إنجاز البرامج من أنشطة وتجارب وشهادات، ومضامين التكوينات.
واتحاد العمل النسائي الذي عمل على الانفتاح على الهيئات القانونية والحقوقية والإعلامية يدعو من خلال هذه الورقة كل الفاعلين في هذه المجالات للانخراط في مكافحة الظاهرة التي تهدر كرامة المرأة وتصادر حقوقها الإنسانية وتكرس ثقافة التمييز الممنهج ضدها.
الموقع الرسمي لإتحاد العمل النسائي 2018. صمم من قبل STUDIO88